للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان الذي حرم اللَّه تبارك وتعالى بالظهار الوطءَ.

[[نيابة الحروف عن بعضها]]

فقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ}: يعود لما حَرَّم، كما قيل: "العائد في هِبَته"، وهو الراجع إليها يتملكها، تقول العرب: رجعت في قولي ورجعت عنه، وحروف الإضافة قد تُبدل بعضها من بعض، كقوله: نزلت به، ونزلت عليه، قال اللَّه عز وجل: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: ٢٧]، وقال عز وجل: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [غافر: ٨٠]، فقال في موضع: {فِيهَا}، وقال في موضع آخر: {وَعَلَيْهَا}، وقال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، أي: على جذوع النخل، وقال سبحانه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: ١١]، أي: بأمر اللَّه، وقال: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: ٣٨]، أي: عليه.

فمعنى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}: إلى الغشيان، لأنه إذا قصد لأن يغشى، فقد قصد إلى إبطال ما كان منه من التحريم، فقد عاد في ذلك القول الذي لفظ به من التحريم، يريد الرجوع عنه.

وقال الشافعي: إذا ظاهر الرجل من امرأته ثم لم يطلق طلاقًا متصلًا بالظهار، فقد وجبت عليه الكفارة (١)، وهو قول فاسد، لأن المُظاهِر على نية الظهار إلى أن ينقضي لفظه، فإن أراد الطلاق بعد الظهار، فأقرب ما يمكن فيه أن ينوي حين انقضاء لفظه بالظهار أن يُطلِّق ثم يُطلِّق، فلا يقع الطلاق إلا وبينه


= إمساكها وإصابتها، وروى عن قتادة: حرمها ثم يريد أن يعود لها فيطأها {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} حتى بلغ: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وقول مالك هذا في الموطأ برواية أبي مصعب، وفي رواية يحيى كذلك، كتاب: الطلاق، باب: ظهار الحر، وروى أيضًا عن أبي العالية قوله في الآية: ثم يرجع فيه، ضمن أثر طويل، انظر أحكام القرآن (ص ١٧٧ - ١٧٩).
(١) الأم (٥/ ٢٩٦) (ط المعرفة).

<<  <  ج: ص:  >  >>