للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ستر العَورَة]

ولما كان ستر العورة من فرض البدن، فيجوز للرجل أن يصليَ في ثوب واحد، لأنه يستر ما أمره اللَّه بستره، والمرأة في دِرْع (١) سابغ وخِمار، وهو أقلُّ ما أمرها اللَّه بستره من بدنها، والأمَة في ثوب وخمار.

ولم يكن هذا من فرض الصلاة، وإنما هو من فرض الأبدان ووافق الصلاةَ (٢)، لأنه لو كان من فرض الصلاة كالوضوء كما شَبّهَهُ الشافعي، لكان إذا لم يجد الثوب لم يُصلِّ، كما أنه إذا لم يجد الماء ولا الصعيد لم يَصَلّ.

فإن قال قائل متأخر: يصلي ويعيد، فقد أمره بصلاة لا تجزئه ولا تنفعه، وهو آثم فيها، لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول" (٣).


(١) دِرْعُ المرأة: قميصُها، لسان العرب (٥/ ٢٣٦).
(٢) هذا أحد القولين في المذهب، قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف (١/ ٢٥٩): "اختلف أصحابنا في ستر العورة في الصلاة، فمنهم من يقول: إنها من شرط صحتها مع الذكر والقدرة، فإن لم يقدر عليها صلى عريانًا وأجزأته، وكذلك إن نسي، وإن صلى مكشوف العورة عالمًا بأن له ما يسترها، قادرًا على ذلك، فإن صلاته باطلة. ومنهم من يقول: إنها واجبة مفترَضة وليست من شرط الصحة، فإن صلى مكشوف العورة عالمًا عامدًا كان عاصيًا آثمًا، إلا أن الفرض قد سقط عنه"، ثم أتى بأدلة كل قول فليراجع، وحكى المازري في شرح التلقين (٢/ ٨٦٨ - ٨٦٩) عنه عزو هذا الخلاف فقال: "وأما ستر العورة في الصلاة فقال القاضي أبو محمد رحمه اللَّه: اختلف أصحابنا في ذلك، فذهب القاضيان إسماعيل وابن بكير والأبهري إلى أن ذلك من سنن الصلاة، وذهب أبو الفرج إلى أن ذلك من فروض الصلاة".
(٣) تقدم تخريجه (١/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>