للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠ - قال اللَّه تبارك وتعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}

قال وهب بن كَيْسان وغيره: إن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: لقيني عمر بن الخطاب وقد اشتريت لحمًا بدرهم فقال: ما هذا؟ ! فقلت: لي نسوة وصبيان قَرِموا (١) إلى هذا اللحم واشتهَوه، فقال: إذا اشتهى أحدكم اللحم اشتراه (٢) وجاره وابن عمه طاوٍ إلى جنبه! قال: فأعاد ذلك عليَّ حتى ظننت ألا ينجو منه، ثم تلا هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية (٣).

وقال الحسن: قيل لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا أمير المؤمنين، ألا تُصيب من طَيِّب الطعام؟ فقال: إني سمعت اللَّه ذكر قومًا في كتابه فقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}، فواللَّه لولا ذلك لشركتكم في طيب الطعام، قال: وكان عمر يخاصم بالقرآن.

وهذا من عمر وابن عمر لِما كانا عليه من التشديد على أنفسهما، وكلما ازداد إيمان العبد اشتد خوفه، وكلما قويت معرفته باللَّه كان أشد خوفًا، ولم يُحرِّم اللَّه تبارك وتعالى ما خلق من الطيبات إذا قُدِر عليها من الحلال، وإنما تركها من تركها خوفًا من الفتنة بها، وأن تكون ذريعة إلى المحرمات إشفاقًا، واللَّه أعلم.


(١) في الأصل: فرموا، والصواب ما أثبته، وفي المصدر: لنسوة عندي قَرِمْنَ إليه، والقَرَم: شدة الشهوة إلى اللحم، النهاية (٤/ ٤٩).
(٢) مكررة في الأصل.
(٣) حديث وهب عزاه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٤٤٧) لعبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>