للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس يحرم على الإنسان بإجماع الجماعة أن يَهَب الرجل ماله وأن يُودِعَه، فلما كانا جائزين، كان للإنسان أن يأتمن على ماله مَن شاء في الأمانة والذمة، لا يحرم ذلك عليه، لأن الذي حرم اللَّه عليهم في البيوع: الربا وأبواب الغَرَر، وإذا كان ذلك كله في الأثمان نفسها إلى بعضها عوض من بعض، فأما الثمن إذا ملكه إنسان، فسواء ائتمن عليه مبايِعُه أو إنسان غيره.

[[الحكمة من الإشهاد والرهن]]

وكذلك أمروا بالرهن احتياطًا، كما أمروا بالشهادة احتياطًا، ووثيقةً بالمال، وذكر الرهن إذ لم تمكن الشهادة، ليُعلم أن الرهن يكون وثيقةً إلى منتهى مبلغه، كما تكون الشهادة وثيقةً لمبلغ الشيء بمن أراد تركهما، ثقةً في معاملته، وسكونًا إليه، كان له ذلك كما له أن يودع ماله من شاء، فإن أراد الاستيثاق فقد جعل اللَّه الشهادة والرهن وثيقةً، فإذا أخذ الرهن وأشهد على أنه رهن فقد توثق لماله، وإذا أشهد شاهدين فقد توثق لماله.

[[القضاء بالشاهد واليمين]]

وقد قال العراقيون -مخالفةً لباطن الآية ومخالفةً للسُّنّة- بترك إجازة الشاهد واليمين، ولما جعل اللَّه الشاهدين -مع علمه بأن أحدهما قد يموت قبل صاحبه- وثيقةً، لم يجُز أن يأمر بما في علمه أنه غير وثيقة، فلما علم اللَّه عز وجل ذلك، وكانت اليمين للمُدَّعى عليه إذا لم تكن بينة يدفع بها عن نفسه لقوته باليد المُدَّعى عليه، كان المُدَّعي إذا مات أحد الشاهدين أقوى بالشاهد الواحد من المدعى عليه باليد، إذ كانت يده بيانًا منه، وشهادة الشاهد بيانًا للمدعي من غيره، فوجب بذلك أن تكون اليمين له، فيكون ما أمر اللَّه به وثيقة صحيحة، متى بطل بعضها لم يبطل المال ببعضها، كالرهن الذي جعله اللَّه


= (٢/ ٥٧٠) وغيرهم عن أبي سعيد الخدري، وروي أيضًا عن ابن جُرَيْج، والشعبي، وابن زيد، والحسن وغيرهم، انظر تفسيري ابن جرير، وابن أبي حاتم، في المواضع نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>