للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه بالتوراة، وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: إن شاء حكم وإن شاء أعرض، فإن حكم حكم بما أنزل اللَّه علينا دون ما أنزل عليهم (١).

[[سبب النزول]]

وهذه الآيات، وهذه القصة نزلت في يهود، زنا رجل منهم بامرأة منهم، فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند اللَّه، وإن أفتانا بالرجم لم نقبل، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا، وكان الحَدُّ يومئذ فينا التَّجْبيه والتَّحْميم (٢)؟ وهو قول اللَّه عز وجل: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦]، وهذا كان الحد الأول في الزنا، ثم نزل بعد ذلك: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: ١٥]، يعني: حكمًا غير هذا، ثم أنزل اللَّه الجلد للبِكر، والرجم للثيب، فخطب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "خذوا عني قد جعل اللَّه لهن سبيلًا".

وقد كان اليهود قبل ذلك زنا رجل ذو قرابة من ملك من ملوكهم فدفع عنه الرجم، ثم زنا آخر في نسوة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: واللَّه لا ترجم صاحبنا حتى تأتي بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا بينهم على التَّجْبِيه والتَّحْميم الذي كان يفعل فينا.

وكانت أيضًا قريظة والنضير عدت إحدى الطائفتين وقهرت الأخرى قبل مقدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاصطلحوا على أنه ما قتلت العزيزة من الذليلة من قتيل فَدِيَتُه خمسون وَسَقًا، وما قتلت الذليلة من العزيزة فديته مائة وَسَق.


(١) انظر تفسير ابن جرير (٤/ ٥٨٤)، وتفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١١٣٦)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٢٦).
(٢) ينظر معنى التجبيه والتحميم في (١/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>