للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومئذ لم يظهر على يهود، ولا كان له عليهم حكم، فلما أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أمر الزانيين يُؤمِّلون أن يأمرهم بالتخفيف، أنزل اللَّه علينا: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}، يعني آمَنّا: قَبِلنا ما تقوله لنا، ولم تؤمن قلوبهم، ولم تصدق ألسنتهم عما في قلوبهم: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ}، يريدون التجبيه والتحميم، {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}، ثم قال تبارك وتعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: ٤٣]، ثم أنزل: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}، وأنزل اللَّه عليه: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، فكان مخيرًا بين أن يحكم أو يُعْرض، فلما اختار أن يحكم قال اللَّه له: {فَاحْكُمْ (١) بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}.

فلما قال اللَّه تبارك وتعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، أي: لا تحكم بشريعتك ومنهاجك، واحكم بشريعتهم ومنهاجهم، وأمر أن يحكم بينهم بالحق وبالقسط الذي أنزل عليهم في كتابهم، وقيل له: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}، أتى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيت مِدْراسِهم بعد أن قال لهم: "ما تجدون الحد فيكم؟ " فقالوا: التَّجبيه والتحميم، فدعا بالتوراة فقرئت، فلما بلغ آية الرجم وضع ابن صُورِيا يده عليها، فقال


(١) في الأصل: وأن احكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>