الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، خاتم النبيين وإمام المرسلين، وخير خلق اللَّه أجمعين، ورحمة اللَّه للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فإن القرآن الكريم هو الرسالة الخاتمة، والمعجزة الخالدة، أنزله اللَّه سبحانه على قلب رسوله وحبيبه محمد صلى اللَّه عليه وسلم، فسطعت أنوار معرفته، وتجلت أسرار إعجازه، وأخذت روعة بيانه بالألباب، وأسرت القلوب والأفئدة، وتحدى الأولين والآخرين من الثقلين أن يأتوا بمثله، فقال:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨] وأدرك المخاطبون أنهم أمام بيان معجز، فأذعن الإنس والجن بأنه كلام اللَّه المعجز، ونطق لسان العدو اللدود له بأن "له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر"، مصداقًا لقوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وإنه حبل اللَّه المتين، والنور المبين، والصراط المستقيم، والحجة الباقية إلى يوم الدين، لا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، وقد تكفل اللَّه سبحانه بحفظه، وصانه أن تطال إليه يد التحريف والتبديل، فقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].