للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال علي بن المديني: لا يُنكَر مثلُ هذا على الزهري، لسعة علمه وحديثه، أن يحدث مرة عن هذا، ومرة عن هذا، وقد سمع ذلك من جماعة.

[هل يُعَدّ التخيير طلاقًا؟ ]

وقال مسروق بن الأجدع: ما أبالي إذا خَيَّرْتُ امرأتي واحدةً أو مائةً أو ألفًا بعد أن تختارني، فلقد أتيت عائشة فسألتها عن ذلك فقالت: قد خيَّرَنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاخترناه، أفكان ذلك طلاقًا (١)؟

والآية تدل على أنه عليه السلام خيَّرهن بين الدنيا والآخرة، فإن اخترن الدنيا طَلّقهن، وإن اخترن الآخرة كُنّ على ما كن عليه ولم يلزمه مفارقتهن، ألا تراه سبحانه قال: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى آخر الآية، فلما اخترنه لم يَلزمه عليه السلام التسريحُ الذي أوجبه على نفسه.

وقد يجوز أن يقول قائل: إنهن لو اخترن الدنيا أن يقع الطلاق باختيارهن.

وهذا يحتاج إلى حجة من كتاب اللَّه عز وجل أو سُنَّة، إذ الآية لا توجب وقوع الطلاق، وما روي عن عائشة: "اخترناه فهل كان ذلك طلاقًا؟ " إنما ذُكر ليُدفع به شيء ضعيف رُوي من طريق ضعيفة عن علي، وعليٌّ رحمه اللَّه يرتفع عن قوله: زعموا أن الرجل إذا خيَّر امرأتَه فاختارته كانت طلقة، وإذا اختارت نفسها كانت ثلاثًا، وهذا ما لا يجوز في عقل، واللَّه أعلم.

* * *


(١) متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه برقم ٥٢٦٢، كتاب: الطلاق، باب من خير نساءه، ومسلم في الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>