للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو حنيفة وأصحابه يحكمون بالنُّكول في الحقوق بغير يمين من الطالب، وجعلوه بمنزلة الإقرار، والمُلاعِن قد تقدمت أيمانه على ما ادعى، ثم لا يحكمون على المرأة بنكولها، وقد أُنْزل فيها من القرآن ما أنزل.

وممن انتهى إلينا تفسيره ممن فسر هذه الآية قالوا: إذا لم تُلاعن جُلدت أو رُجمت، وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للملاعِن: "عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" عند الجلد، وكذلك قوله للمرأة: "عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" (١) إنما أرادوا الحدّ، ودخول الحبْس، فما بين ذلك لا أعرف له وجهًا، وقوله للمرأة: "عذاب الدنيا أيسر" أراد الحبْس عندهم إن أقَرَّت، ما هذا عذاب من أقرّ بالزنا.

[الفُرقة في اللعان]

فأما الشافعي فخالفنا في هذه المسألة في موضعين، أحدهما: الحجاج فيه قد مضى على أبي حنيفة وعليه أيضًا، والآخر: أنه زعم أن الزوج إذا تم لعانه وقعت الفُرقة من قَبْلِ أن تلتعن المرأة (٢)، والمرأة لو شهد عليها بما رماها به الزوج أربعة شهداء، وَحَقَّ عليها الزنا لما لزمه بذلك فراق، فكيف يكون بتحقيقه هو وأيمانه عليها بالزنا مفارقًا لها؟ ! ليس الحلف على الزنا موجبًا للطلاق ولا للفراق، ولا لعنه لنفسه إن كان كاذبًا موجب للفراق، وقد يكون صادقًا في حلفه.

وزعم أنه قال ذلك من قِبَل أن الفراق إنما يكون بالرجال، وهو مع ذلك يقول: إن الرجل إذا مَلَّك امرأته الطلاقَ فطَلَّقَت، كان هو المطَلِّق، فأقامها مقام الوكيل فيما جعله إليها، فإن ملَّكها فلم تُطَلِّق لم يلزمه طلاق، فهلَّا قال: إنه لما الْتَعَن جعل إليها أن تلتعن، فإن لم تلتعن بقِيَتْ على الزوجية، إلى أن يُحكم عليها فتُحَدّ، وإن التعنت فكأنها فارقت بما جعله إليها وفي يدها.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) الحاوي الكبير للماوردي (١١/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>