وجعل فيه الهدي أو الصيام، وأرخص للقارن أيضًا، وإنما كان الأصل أن لا تكون العمرة في أشهر الحج، وأن يكون الحج لا عمرة معه، فأرخص لهم على أن عليهم الهدي.
[[الإحرام قبل أشهر الحج وقبل الميقات]]
وفي أشهر الحج أيضًا معنى آخر: أنه لا ينبغي لأحد على الاختيار أن يُحرِم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل لزمه، إذ شدد على نفسه وترك الرخصة، لأنه أُرخص له وخُفف عنه كما خفف بالميقات، فإن أحرم قبله لزمه ذلك، وإنما لزمه الإحرام في الحالين جميعًا لأنه أوجب على نفسه عملًا يعمله في وقت بعينه، وهو الوقوف بعرفة، والذي به يدرك الإنسانُ الحجَّ، فليس يَنْفَكُّ من ذلك حتى يأتي بما ألزمه نفسه من طاعة اللَّه عز وجل، إذ لا فرق بين الشهور وتقدمها وبين الميقات وتقدمه، لأنه كان في الأصل على الناس جميعًا حين قيل:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج: ٢٧]، أن تكون الإجابة والتلبية من أوطانهم، ومنهم من يكون سفره نحو السَّنة وأقل من ذلك وأكثر، فخفف عنهم بالشهور وبالميقات، فإذا أحرم قبل الميقات لزمه، كذلك إذا أحرم قبل الشهور.
وليس يشبه هذا الصلاة، لأنه لا سبيل إلى الدخول فيها حتى تجب.
والحج هو: القصد، ووجوبه من الأوطان على كل إنسان على قدر مسافته، وإنما يسر عليه وخفف عنه، فإن قبِل ذلك واختاره، وإلا كان على الأصل الذي كان الإيجاب به، إذ كان اللَّه عز وجل أوجب الحج، والحج: القصد، فليس يشبه الصلاةَ التي أعمالها متصلة بها، والحج أعماله متباعد بعضها من بعض، فهو يخرج في أول شوال، ثم لا عمل له إلى يوم عرفة إن شاء، وأعماله كلها بعد عرفة إلا السعي، فإنه إن قدمه في إثر الطواف أجزأه.