للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حِكمة القُرْعَة وحُكمها]

قال بكر: فجاء في هذه الآية ذكر المُساهمة، ومعرفة يونس به أنه المراد بوقوع القُرْعَة عليه، وذلك آية من آيات اللَّه.

وأما المساهمة على مريم عليها السلام فيمن تَكفَّلها، فإنه يدل على أنهم لما استوت حالهم فيمن يكفُلُها اقترعوا على ذلك.

وأما إقراع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين نسائه إذا أراد سفرًا، فإن ظاهر ذلك واللَّه [أعلم] (١) يدل على أنه كان يَقْسِم بينهن في غير السفر، ويقيم عند كل واحدة في اليوم الذي هو لها، فلما أراد السفرَ، واحتاج إلى أن يُسافر معه ببعضهن، جعل الحَكمَ فيهن القرعةُ، ليُزيل عن قلوبهن الانحراف عن بعضهن إلى بعض، ويُطَيِّب بذلك أنفسَهن، فكذلك ينبغي لكل من أراد أن يسافر بامرأة، وله أربع أو دونهن، أقرع ليُزيل الغم عن قلوبهن، إذ لا واجب عليه لواحدة منهن، ولا لهن مقال عند سفره، وإنما القسْم شيء يلزمه في الحضر دون سفره، وكان له أن يُخرج أيتَهن شاء، ولكنه أراد أن يُطَيِّب أنفسَهن.

وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للرجلين في الميراث: "تواخيا واستهما" (٢)، فإن هذه هي القسمة التي تكون بين الشركاء، فعليهم أن يَعدلوا ذلك بالقيمة ثم يَستَهِموا،


(١) سقطت من الأصل.
(٢) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم ٢٦٧١٧، وأبوداود في سننه برقم ٣٥٨٤، كتاب: الأقضية، باب قضاء القاضي إذا أخطا، (ط الأرناؤوط)، عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مواريث بينهما قد درسَت، ليس بينهما بينة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضَكم ألحنَ بحجته، أو قد قال: لحجته، من بعض، فإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطَع له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة"، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما إذ قلتما، فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استَهِما، ثم ليُحَلِّل كل واحد منكما صاحبَه".

<<  <  ج: ص:  >  >>