للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[الاستثناء في اليمين]]

قال اللَّه عز وجل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية [المائدة: ٨٩]، وقال: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم} [المائدة: ٨٩]، فلو كان يستثني أي وقت ذَكر، لم يكن للكفارة موضع، وكان قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، قال: إن شاء اللَّه، وسقطت عنه، ولم يقل له: "وكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير" (١).

وإنما أُتي قائلوا هذه المقالة من أنهم جعلوا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} متصلًا بالكلام الأول، وليس كذلك، وإنما قيل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}، أي: إذا نسيت مرة، فلا تنسى في كل وقت، ويجوز: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} فحلفتَ، بأن ترجع إلى الذي هو خير كما علَّم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويكفر إذا نسي أن يستثني.

وهذه المعاني لا تدفعها آية الكفارة، ولا هي دافعة لها أيضًا، إذ القرآن يُصَدِّق بعضه بعضًا.

وقال بعض المفسرين: إن هذا مُنفصِل من الآية، وإنه مخاطبة لسائر الناس، فقال عكرمة: "إذا عصيت (٢) فافزع إلى اللَّه عند السهر أو الغفلة"، فإنما افترق الاستثناء في اليمين إذا كان متصلًا أو غير متصل، أن الحالف إذا وصل يمينَه بالاستثناء، كان قد نواه، وسقطت الكفارة، لأن اليمين لم تستقر حتى قا. رنها بالاستثناء، وإذا انفصل من اليمين كان حكم اليمين قد استقر، وصارت في حيز {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩]، فلما ثبت الحكم لها بالكفارة وحفظها، لم تزل، واللَّه أعلم.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه ابن جرير في تفسيره (٨/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>