للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنذ أن أنزل القرآن على الرسول الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم-، صار شغل الأمة الشاغل، قراءة، وتزكية، وتعلمًا وتعليمًا، وحفظًا، وعملًا، وتدبرًا، وأفرغوا في تفسير نصوصه، وتحليل خطابه، والكشف عن كنوزه كل طاقاتهم، فتحقق للقرآن الكريم من العناية والحفاوة ما لم يتحقق قط لكتاب سماوي أو أرضي، ولن يتحقق ذلك. وقد هيأ اللَّه لكتابه الكريم أقوامًا من شعوب وقبائل شتى، عربًا وعجمًا، يتسابقون ويتنافسون في خدمته، والذود عنه، فخرجوا بأنواع شتى من أصناف التفسير والتحليل، من تفسير بالمأثور، وآخر بالرأي، وآخر يعنى بالنحو والبلاغة، وآخر يعنى بالتفسير الفقهي وغير ذلك من أصناف التفسير.

وهذا الكتاب: "أحكام القرآن، للقاضي بكر بن إسماعيل القشيري"، من أقدم الكتب التي وصلتنا كاملة، ونحى به مؤلفه منحًى فقهيًا، وقد أذن اللَّه له ليرى النور، نضعه بين أيدى طلاب العلم، لتقر أعينهم به.

وقد أُلِّف هذا الكتاب في عصر كان من أزهى عصور الإسلام ازدهارًا للعلم، ودولة الإسلام قائمة وشرع اللَّه هو الحاكم على ربوع المسلمين، والمسلمون في عزتهم، وهم يومئذ في طليعة الأمم، وكانت المساجد جامعات تزدهر بالمناظرات العلمية، والساحة العلمية تعج بالبحث والمناقشات والردود، فالفكر الإسلامي لم يعرف التحجر ولا الجمود، بل باب المناقشات والردود كان مفتوحًا إلى أبعد مدى، في مثل هذه الظروف ألف هذا الكتاب، وانعكس روح العصر فيه، ففيه ردود ومناقشات، وعرض للأدلة على طربقة المناظرات العلمية، لكنّ الردود على الإمام الشافعي رضي اللَّه عنه اتسمت بالعنف، وحادت عن الموضوعية والمناقشة العلمية الهادئة إلى الطعن والتجريح -أحيانًا-، ونحن لم نشأ أن نتدخل في هذه الردود بالتعليق، فإن الإجابة عن مثل هذه الردود قد تولاها علماء الشافعية وغيرهم، وهي مبثوثة في الكتب، فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>