للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين الظهار فُرْجَة قَلَّت أم كثُرت، لأن الفعل في كل شيء إنما يكون بعد النية، وليس يُعقل أن يكون التظاهر من إنسان إلا لمعنى، وهو أن يغضب فيظاهر ليمنعها الوطء، أو يمنع نفسه منه، فإذا أوصل النية بالظهار فلا فائدة له في الظهار، إذ كان يريد الطلاق وإن كان يريد الإقامة التي يلزمه تيسيرها الكفارةَ عقيب اللفظ بالظهار، فلا فائدة له في الظهار يشفي به نفسه من غضبه، وإنما شق على نفسه بأن ألزمها كفارة لغير معنى.

مع أن قوله: إن لم يطلق بعقب الظهار لزمته الكفارة خطأٌ، يدل عليه الكتاب، واللغة، وأصحابه يَدَّعون له علم اللغة، لأن اللَّه عز وجل قال: {ثُمَّ يَعُودُونَ}، وثم إنما تقع بعد الشيء على تَراخ، لأنه لا اختلاف بين أهل اللغة أن الواو توجب الاجتماع ولا توجب التبدئة به، لأن قول القائل: لقيتُ زيدًا وعَمرًا، يوجب أن يكون لقيهما، وقد يجوز أن يكون زيد قبل عمرو، وعمرو قبل زيد، وإذا قال: لقيت زيدًا فعمرًا، فذلك يوجب لقاء زيد قبل عمرو بغير تَراخ، وإذا قال: لقيت زيدًا ثم عمرًا، فهذا يوجب عندهم التراخي، وأن يكون لقاؤه عمرًا بعد زمان.

وقوله أيضًا خطأ من وجه آخر، لأنه لما قيل: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}، لم يخل بأن يعود بفعل أو نِيّة، ولو كان المعنى في ذلك إنما هو ألا يطلقوا، لكان وجه الكلام: ثم لم يطلقوا، والقرآن يَجل عن أن تكون فيه لفظة غيرُها أبلغ منها وأشفى.

وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ} إيجاب، و"لم يطلِّقوا" نفي، فلو كان معنى {يَعُودُونَ} معنى "لم يطلِّقوا"، لكان الإيجاب هو النفي والنفي هو الإيجاب، وهذا محال، ولو كان إذا ظاهر ثم لم يطلِّق عائدًا بأنه ممسك، لكان في حال الظِّهار مُمسِكًا، لأنه لم يطلِّق وإنما ظاهَر.

<<  <  ج: ص:  >  >>