للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَفسُد أيضًا قولُه من وجه آخر، لأن قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} يوجب أن يحدث منهم شيء، والمظاهِر لم يطلِّق في حال ظهاره ولا قبل ذلك، فإذا تظاهر ثم لم يطلِّق بعد الظهار، فهو كما كان، لم يَحدث منه شيء، لا فعلٌ ولا قولٌ، فيستحيل معنى {ثُمَّ يَعُودُونَ}، لأن العائد إنما يعود إلى شيء قد كان فارَقه، والمظاهِر لم يفاردتى زوجته في حال الظهار ولا قبله ولا بعده، وإنما فارق المَسيس، فهو يريد أن يعود إليه.

وقد احتج له أحمد بن عمر بن سُرَيْج بأن العَوْد تركها زوجة، وأن اللَّه تبارك وتعالى قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: ٣٧]، وبقوله سبحانه: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠]، وأن العَوْد إقرارُهم فيها، فهذا يحتمل أن يكون منهم تحاملًا للخروج، كاضطراب المجلود فتأخذُه المَقامع فيعود إلى حاله.

ويجوز ما قال وليس فيه حجة له، لأن اللَّه عز وجل لما نقل التحريم إلى الظهار قد أقرها زوجة، وألزمها الكفارة بالقول، مع مُضامة العَوْد إلى منع نفسه منه، ولم يجعل الظِّهار منعًا من الزوجية، وإنما جعله منعًا من الوطء، فإذا أراده متصلًا بانقضاء الكفارة، وحل له الوطء، إذ شرط عليه أن يكون قبل الوطء، وإنما يقال: إن طلق وإلا فقد لزمته الكفارة، لمن قيل له: طَلِّق أو كَفِّر، كما يقال للمُولي: فِئ أو طَلِّق.

فأما أن يقال لرجل ظاهر: إن لم تطلِّق لزمتك الكفارة، يقول: اللَّه برحمته نقل طلاقي إلى الظهار الذي فيه الكفارة، رحمةً منه بنا، فلِمَ يَلزمني إن لم أُطلِّق أن أُكفِّر ولم أَعُد؟ وإنما يكون العَوْد الإمساك لو كان الإمساك لم يثبت بحكم اللَّه عليَّ، أو لو كان قد أوجب عليَّ أن أطلِّق أو أُكفِّر، فأما والإمساك قد ثبت بأمر اللَّه، فأي الإمساك يكون مني، وأي ترك للطلاق أكون به ممسكًا لمن لم يجب عليه الطلاق؟ وهذا قول من لم يتدبر ما احتجَّ به، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>