للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجة عليه من قول الشافعي، لأنه قال: والظهار كان طلاق الجاهلية، فنُقل إلى الكفارة، فأي شيء أَبْيَن من هذا؟ ولو كان إذا لم يُطلِّق لزمته الكفارة فصارت في ذمته، لما كان لقوله للواطئ قبل أن يكفر: "أمسك حتى تُكَفِّر" (١)، وحاشاه عليه السلام أن يقول قولًا لا فائدة فيه، نسأل اللَّه التوفيق برحمته.

وقد سمى اللَّه الفعل قولًا، فبذلك يكون {يَعُودُونَ}: يريدون الوطء، ومخالفةَ ما منعوا أنفسهم منه، قال سبحانه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨]، يعني: الكفرَ والمعاصي، فسماها قولًا.

ويفسد أيضًا من وجه آخر، لأن قوله يوجب أنه إذا أمسكها بعد انقضاء اللفظ بالظهار طرفة عين فما فوقها، فقد وجبت عليه الكفارة، عاشت أو ماتت، أم طلَّق بعد ذلك أو لم يطلِّق، وقد قال اللَّه عز وجل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، فإذا مات أو ماتت عُلم أنه لا يكون مَسيس، فإذا لم يكن مَسيس لم يكن له قبل، وإذا لم يكن له قبل لم تجب الكفارة، لأن الحال التي جُعِلَت موضعًا للكفارة لم تكن، وكذلك إذا كان لا يريد أن يَمَسَّ فلا كفارة عليه، لأنها إنما وجبت عليه قبل أن يَمَس، فلا يجب عليه حتى يأتي موضعها، ولو كانت تجب عليه وهو لا يريد أن يمس لبطل معنى قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، لأن الكفارة قد استقر وجوبها عليه وصارت في ذمته، فإن أخّرها كان آثمًا في تأخيرها، حيث أثمه في تأخيرها ما وجب عليه، وليس هي الآن من المَسيس في شيء، ولا هي مما يحل به المَسيس فيزول معنى {قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، ولو مَس قبل أن يُكفِّر لما وجب أن يكون آثمًا عنده في المَسيس، وإنما يكون آثما في تأخير الكفارة التي كانت وجبت مَسَّ أو لم يَمَس.


(١) رواه أبو داود في سننه برقم ٢٢٢١، كتاب: الطلاق، باب في الظهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>