فنزلت الآية، فتركوا ما كانوا عزموا عليه، ولا يجوز لأحد بهذه الآية أن يحرم مأكولًا ولا مشروبًا على نفسه إذا كان من حله، وله أن يمتنع من بعض المأكولات والمشروبات من غير أن يعتقد فيها تحريمًا، وإذا حلف على شيء من ذلك على وجه التحريم كفّر عن يمينه، ثم إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل.
وإنما حرم إسرائيل لما أصابه عِرْق النَّسا، قبل نزول التوراة، فليس لأحد أن يحرم شيئًا أحله اللَّه على نفسه، لأن إسرائيل حرم قبل أن ينهى، وكانوا إذا حرموا شيئًا على أنفسهم حرُم، فنسخ اللَّه تبارك وتعالى ذلك عنا بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}، فإن حرم إنسان شيئًا أحله اللَّه له كان تحريمه باطلًا، وإن حلف كفَّر وأتى الذي هو خير.
فأما اليهود فما حرم في التوراة إنما حرموا على أنفسهم ما كان إسرائيل حرم على نفسه، ألا تراه قال:{فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران: ٩٣]، فأعلمنا أنهم افتروا الكذب، وإنما حرم إسرائيل على نفسه لم يَعْدُه إلى غيره، واللَّه أعلم.