قال القاضي: والذي توجبه الآية، إتمام ما دخل فيه منهما، لأن قوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ليس هو من خطاب الإيجاب، ولا ألفاظ الفروض.
فأما الحج فليس بهذه الآية وجب، وإنما وجب فرض الحج بقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
وقوله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، فأمر أن يدعوهم إلى الحج الذي لا اسم له غير الحج، وإن كان هذا الاسم يقتضي القصد فهاتان الآيتان نزلتا بفرض الحج، كما قيل:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩] فكان دُعاؤهم إليها موجبًا لفرضها.
فأما قوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فإنما قصد به: لمن تطوع بالحج، فأمر أن يتممه كما يتمم الفرض، وكذلك أمر في العمرة إذا اختار الدخول فيها فدخل، أُمِر بالإتمام، إنما يقال للإنسان إذا دخل في الشيء ومضى بعضه تَمِّمْه، وليس هكذا إيجابُ الفرائض، وإنما إيجابها أن يؤمر فيها قبل أن يدخل فيها، قال اللَّه عز وجل:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣] وقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥] وقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧].
فأما العمرة فسُنَّة لا ينبغي تركها، ولا حُجة لمن جعلها فرضًا، ألا ترى عليًا قال: أن تُحرِم بهما مؤتَنَفتين من دُوَيرة أهلك.
وسئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما نزل فرض الحج: أفي كل عام يا رسول اللَّه؟ قال:"لا، ولو قلتُها لوجبت، ولكن مرة واحدة، فإن عُدْتَ فهو أفضل"(١).
(١) أخرجه أحمد في غير موضع منها برقم ٢٣٠٤، ٢٦٤٢، وأبو داود برقم ١٧١٨، =