للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم الرَّفث: الجماع، والفسوق: السِّباب والمعاصي، والجدال: أن يقول قائل: إن الحج في غير ذي الحجة، قد استقر الأمر على أن الحج في ذي الحجة، فلا جدال فيه (١)، لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد وقف بعرفة: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، فلا حج إلا في ذي الحجة" (٢).

وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن مجرى الجدال مجرى الرَّفَث والفسوق، وإلى أن النهي قد وقع على ذلك كلِّه، فكأنه قد قيل: لا ترفُثوا، ولا تفسُقوا، ولا تجادلوا.

وذهب بعضهم إلى أن النهي وقع على الرَّفَث والفسوق خاصة، وأخبروا أن الحج لا جدال فيه، فكأنه قد قيل لهم: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ثم اعلموا أن الحج لا جدال فيه، وأن ذلك قد انقطع، لأن بعضهم كان يقف بعرفات، وبعضهم بمزدلفة، ويقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب (٣)، وكانوا يغيرون الشهور ويسمونها بغير أسمائها، فيحُجون في كل سنتين في شهر، حتى يدور الحج في أربع وعشرين سنة، وكانوا يسمونه النَّسِيء، وهو الذي قال اللَّه عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧].

وقال شاعرهم:


(١) ممن قاله: مجاهد، والسدي، انظر تفسير ابن جرير (٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/ ٣٤٨).
(٢) الشطر الأول منه جزء من حديث متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها، كتاب: الحج، باب: حجة الوداع. ورواه مسلم (٥/ ١٠٧)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض.
(٣) رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن زيد (٢/ ٢٨٦)، ورواه ابن جرير عن مالك بن أنس (١/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>