للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم بعض المتكلفين للعلم، أن هذه الآية توجب عليه ألا يأخذ منها إلا ما أعطاها أو بعضه (١)، وليس الأمر على ما توهم، لأنه لو كان كما قال لقيل: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه، أو من ذلك، حتى يؤدي الكلامُ إلى ما أعطى الرجل امرأته من الصداق، فلما لم يقل ذلك، كان مطلقًا في كل شيء افتدت به.

ولو قال إنسان لإنسان: لا تضربن فلانًا إلا أن تخاف منه شيئًا، فإن خفته فلا جناح عليك فيما صنعت به، لكان مطلقًا له، لأنه لو أراد الضرب خاصة لقال له: فلا جناح عليك فيما صنعت به منه، أو من ذلك.

ومما يدل على العموم فيما افتدت به، وأنه ليس مردودًا (٢) إلى صداقها، أنا رأينا النهي في المواضع كلها إنما هو شيء نسب الأخذ إليه خاصة، فدل ذلك على أنه يفعل بها، فلا يُحْوِجُه بها إلى أن تعطيه، قال اللَّه عز وجل: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: ١٩] (٣)، وقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: ٢٠]، فعلمنا أنها تعطي ما تعطي (٤) من غير طيب نفسها، وإذا كانت هي الكارهة فيما أعطت من طيب نفسها قال اللَّه عز وجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤]، فلما نسب الفعل إليها، نسب إلى أنه عن طيب نفس منها، فعلمنا أن الذي نهي عن أخذه منها هو غير الذي طابت به نفسها.


(١) مذهب أحمد وإسحاق، انظر مختصر الخرقي (ص ١٥١)، والإشراف للقاضي عبد الوهاب (٢/ ٧٢٦).
(٢) في الأصل: مردود.
(٣) في الأصل: ". . . آتيتموهن شيئًا".
(٤) في الأصل: يعطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>