للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: ١٣٥]، فذكر الشهادة مع القيام بالعدل، فجرت الشهادة مجرى الحكم، وعلم أن هذه المخاطبة أُريد بها الأحرار، لقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥]، فعلم أنه القِسط بين الناس، وأنها الحقوق بينهم.

وقال: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، فكان إقرار الحر على نفسه بالمال جائزًا، ولم يكن إقرار العبد على نفسه بالمال جائزًا (١).

وقال جل وعز: {أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}، فدل ذكر الغنى والفقر في الوالدين والأقربين على أنه أريد به الأحرار، وأنها في الأحرار، لأنهم الذين ينفِق بعضهم على بعض، ويُوارِث بعضهم بعضًا، فأُمروا ألا يَميلوا عليهم بغير الحق، فلما لم يجز أن يكون العبد حاكمًا، لم يجز أن يكون شاهدًا، ولم يجز أن تكون المرأة حاكمًا، وإن كانت تجوز شهادتها مع شهادة أخرى، لأن إحداهما قد ضمَّت الأخرى للشهادة، ولا يجوز أن تُضَمَّ الواحدة إلى الأخرى فتكونا بمنزلة حاكم، فيكون أحدهما نصف حاكم.

وأما قوله: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}، فالعبد لا يجوز له أن يشهد إلا بإذن سيده، فخرج ممن خوطب بالشهادة وإقامتها.

والشهادة مفترَضة على الناس في الجملة، وليست على كل إنسان، لأن الناس يكفي بعضهم بعضًا (٢)، كالجهاد، ولا يجوز أن تكون هذه الجملة مفترضة على من لا يقدر أن يفعلها إلا بأمر غيره، فخرج العبد عن أن يكون داخلًا في المخاطبة بالشهادة والحكم (٣) والجهاد، ولو كان مخاطبًا بالغزو لكان له سهم،


(١) في الأصل: جائز.
(٢) أي: أنها فرض على الكفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
(٣) مكررة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>