للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم: القول قول المرتهِن إلى قيمة الرهن.

وهذا الأخير هو قول مالك -رضي اللَّه عنه- (١) وأهل المدينة، وهو أشبه بظاهر القرآن، لأن اللَّه عز وجل يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}، فوعظ المرتهن ولم يعظ الراهن، لأنه قد توثق منه، فكان الرهن وثيقةً لحقِّه، كالشهادة وثيقةٌ لحقِّه، فكل من كان القول قوله موعوظ (٢)، ألا تراه قال في أول الآية: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}، ولم يقل ذلك عند الشهادة والرهن، {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} لأنه قد توثق منه، فصار القول قول المرتهن مع يمينه إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن ادعى مرتهن فوق قيمة الرهن، لم يحكم له إلا بقيمة الرهن، وكان فيما ادعاه من الفضل بمنزلة من ادعى على رجل حقًا لا وثيقة بيده منه، فكانت اليمين فيه على الراهن.

وإنما تقول هذا في الرهن إذا ثبت أنه رهن، أو تقاررا على الرهن، فأما إذا قال صاحبه إنه وديعة، وادعى الذي هو في يده الرهن، فالقول قول مالك السلعة واليمين له، فيستحق بها.

وأما قوله عز وجل: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا}، يقول: ألا تشُكُّوا في الشهادة، يعني: إذا كان الشهود ممن يرضاه الحاكم الذي يستحق أن يكون حاكمًا، ألا تراه قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وهذه مخاطبة للحكام.


(١) المدونة (٥/ ٣٢٢).
(٢) في الأصل: موعوظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>