للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلم الكلام، لأن اللَّه جل وعلا قال: {فَانْكِحُوا (١) مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}، أي: أدنى ألا يكون منكم عول، والرجل إذا كانت له امرأة واحدة أو مِلْك يمين فهو يعولها، فكيف يكون ذلك {أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} وهو في هذه الحال الموصوفة يقول هذا؟ [هذا] (٢) خطأ من الكلام قبيح.

وإنما المعنى في قوله عز وجل: ذلك أدنى ألا يكون منكم ميل إلى واحدة دون الأخرى، لأن الواحدة إذا كانت، لم يلزمه عدل بينها وبين الأخرى في قَسْم الأيام بينهن والنفقة، فتؤثَر بحسن المودة والمحبة، وإذا كانت واحدة وملك يمين، لم يلزمه عدل في نفقة ولا قسمة مبيت، فأي شيء في هذا مما يدل على النفقة وكثرة العيال؟ بل ملك اليمين أدل على كثرة العيال، لأن اللَّه عز وجل إنما أباح من النساء أربعًا، وأباح من ملك اليمين ما شاء من العدد، وقال اللَّه تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: ١٢٩]، فذكر الميل مع العدل، كما ذكر في الموضع الأول العَول مع العدل.

وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم إنَّ هذا قَسْمي فيما أمْلِك" يعني: بين نسائه في المبيت وما إليه فعله، "فلا تؤاخذني بما تملِكُ ولا أملك" (٣)، يعني: في وما يجعله اللَّه في القلب، يريد أنه كان يحب عائشة -رضي اللَّه عنها- حبًا شديدًا دونهن.

فهذا كله كلام بعضه من بعض، ولو لم يُدَّعى للشافعي علم اللغة لما كان الغلط يبقى عليه ويسطر في الكتب، فقد أخطأ غيره فعدَلت زلة من عالَم، واللَّه أعلم.


(١) في الأصل: أنكحوا.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) رواه أبو داود برقم ٢١٢٧، كتاب: النكاح، باب: القسم بين النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>