للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: القُبْلَة والجَسَّة من الملامسة (١).

وقال ابن عمر -رضي اللَّه عنه-: القبلة والجسة هي الملامسة.

وتابعهما على ذلك خلق كثير من التابعين (٢).

وروي في هذا الباب أحاديث مرفوعة أنكرها النقاد، وطعنوا بها على حديث بن أبي ثابت، ولكن ما روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، وابن مسعود، وابن عمر، ومن تابعهم من التابعين صحيح، والنظر يوجب ما قاله ابن مسعود، وابن عمر، وكذلك ظاهر الآية، لأن الملامسة ذُكرت مع الغائط الذي يكون منه الوضوء في الموضعين، قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، والمرض والسفر لا يَنْقُضان الوضوء، فذكرهما مع الغائط الذي يوجب الوضوء.

وهذه الآية فيها تقديم وتأخير، وإنما حكمها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} من المضاجع، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الملامسة التي هي صغير الجماع، {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله عز من قائل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} اغتسلوا، {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} في هذه الأحوال، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}.

فكانت الآية مُسْتَوْعِبَة لجميع من يجب عليه الطهور، ومن يجب عليه الغسل، ومن يجوز له أن يتيمم من جنب أو غيره، ولو كان حكم الآية على تلاوتها لكان على المسافر والمريض التيمم والوضوء، كان طاهرًا أو غير طاهر، وفي القرآن تقديم وتأخير كثير لا ينكره أهل العلم بالقرآن، فعُلم بذلك أن


(١) انظر ابن جرير في تفسيره (٤/ ١٠٦ - ١٠٨).
(٢) انظر المصدر والموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>