للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسئل ابن عمر عن القُنفذ، فقال: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إلى آخر الآية، فقال له إنسان: إن أبا هريرة يرويه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقول: "هو خبيثة من الخبائث"، فقال ابن عمر: إن قاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو كما قال (١).

قال القاضي: قلت: وإن صح ذلك عن أبي هريرة فإنما أراد الخبيث الطعم والمنفعة، وما أراه يصح.

وقال محمد بن جُحادة: سألت الشعبي عن لحم الفيل والأسد، فقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إلى آخر الآية (٢).

وقد كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء ويستحلون أشياء، نحو قوله عنهم: {هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: ١٣٨]، {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: ١٣٩] وغير ذلك، فيجوز أن يكون اللَّه تبارك وتعالى أراد بقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ} يعني سائر ما حرموه، ومع ذلك فلا حرام إلا ما حرم اللَّه، وتحريم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأكل الحمار الأهلي ولحوم السباع يوجب الامتناع وطاعة السنة واتباع الرواية شفقة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحسن نظر لنا لشيء علمه وهو الممنوع، فممنوع بالفرض، وممنوع بالندب لعلة مأخوذ به لا يبلغ به ما أجمع عليه، واللَّه أعلم بما أراد.

* * *


(١) رواه أبو داود برقم ٣٧٩٩، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل حشرات الأرض.
(٢) الذي وقفت عليه ما في مصنف عبد الرزاق برقم ٨٧٦٩، كتاب: المناسك، باب: الفيل وأكل لحم الفيل، عن الثوري، عن جابر: سألتُ الشعبي عن لحم الفيل فتلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>