ومما يدل على أن اللفظ للجماعة قوله عز وجل:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا}[الحجرات: ٩]، فجاء اللفظ على تأنيث الجماعة، وأمرت الجماعة أن تصلح بين الطائفتين.
واحتج آخر بقول اللَّه عز وجل:{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}[التوبة: ٦٦]، وهذا غلط أيضًا، لأن المخاطبة لجماعة، قال اللَّه عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ (٦٥) قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: ٦٥ - ٦٦]، فعلم أنهم جماعة، وأنه إن يُعْفَ عن طائفة منهم بالتوبة مما كانوا فيه من الكفر الذي وصف اللَّه، تُعَذَّب طائفة ممن لم تتب، فإن كان الذي تاب منهم رجلًا فما فوقه دخل في المعنى، وإن كان الذي لم يتب رجلًا فما فوقه دخل في المعنى، إذ كانوا إنما يستحقون ذلك بأفعالهم.
والطائفة التي تحضر عذاب الزاني، لم يحضروا لفعلٍ كان منهم في أنفسهم، وإنما أُحضروا ليكونوا شهودًا لعذاب غيرهم، فإن كان الواحد من الشهود يقوم مقام الجماعة، فينبغي أن يُقاس عليه، وإن لم يكن يقوم مقامهم خرج من حكمهم بالمعنى واللفظ جميعًا، لأن الشهود يُحتاج إليهم فيما يحدث بين المحدود وغيره، وهو أن يقذفه قاذف بعدما يقام عليه حَدّ الزنا، فإذا أتى القاذف بأربعة فشهدوا أن حاكمًا قد حَدَّ المقذوف في الزنا سقط الحد عن القاذف.
وكذلك لو كانت أمة لرجل فحدها سيّدُها في الزنا ثم أُعتقت فقذفها رجل، فأتى القاذف باربعة فشهدوا أنها كانت أَمة، وأن سيدها قد كان حدها في الزنا لسقط عن القاذف الحَدُّ، فهذا هو الظاهر الذي يدل عليه معنى حضور