للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الزهري عن نبهان مولى أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه حدثه أنه بينما هو يسير مع أم سلمة بطريق مكة، وقد بقي عليه من كتابته ألفا درهم، قال: فكنت أتمسك بهما كي ما أدخل عليها فأراها، فقالت وهي تسير: ماذا بقي من كتابتك؟ قلت: ألفا درهم، قالت: هما عندك؟ قلت: نعم، قالت: فادفع ما بقي من كتابتك إلى محمد بن عبد اللَّه بن أبي أمية فإني قد أعنته بهما على نكاحه، وعليك السلام، ثم ألقت دوني الحجاب، قال: فبكيت ثم قلت: لا واللَّه لا أعطيه إياها أبدًا، قالت: واللَّه يا بني إنك لا تراني أبدًا، إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عهد إلينا أن إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء بما بقي من كتابته فاضربن دونه الحجاب (١).

ففي هذا الحديث بيان أن العبد يرى سيدته ما كان عبدًا، والذي يراه الوجه والكفين، وليس بمَحرم لها، فيجوز له أن يسافر بها، لأن حرمته منها لا تدوم، وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: ٥٨]، فأجرى ما ملكت أيمانهم مجرى الذين لم يبلغوا الحلُم منهم، وأمروا بالاستئذان في العورات الثلاث، لأن الناس يطرحون ثيابهم في هذه الأوقات، ولا يكونون في التستر فيها كما يكونون في غيرها، فهذا حكم العبد فيما يراه من سيدته، واللَّه أعلم.

* * *


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم ٢٦٤٧٣، وأبو داود في سننه برقم ٣٩٢٨، كتاب: العتاق، باب: فى المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، (ط الأرناؤوط)، وابن ماجه في سننه برقم ٢٥٢٠، أبواب العتاق، باب: المكاتب، عن نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة، أنها أخبرت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه"، من دون ذكر القصة قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>