للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من قال: ليس له أن يُكاتبه إلا أن يبتغي الكتابة.

ومنهم من قال: له أن يكاتبه كَرهًا إذا علم أداءً وأمانةً وقدرةً على ما يُكاتِبُه عليه.

وقال مالك: ليس على السيد أن يكاتبه كَرهًا، وله أن يكاتب عبده كرهًا (١).

فأما قول من قال: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} مالًا، فالخير لعَمري المالُ، إلا أن مال العبد للسيد أن ينتزعه، ويبقى عنده بغير مال، فكيف يُكاتبه على شيء له أن يأخذه بغير كتابة؟

وأما قوله: {فَكَاتِبُوهُمْ}، وإن كان بلفظ الأمر، فقد يأتي لفظ الأمر يُراد به الإطلاق من حظْرٍ والإذن والنهي (٢)، قال اللَّه عز وجل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢]، وقال سبحانه: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] وقال تبارك وتعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ١٥]، وهذا غاية الوعيد والنهي والزجر.

وقد رُوي أن عمر حلف على أنس أن يكاتب سيرين (٣)، وهذا من عمر على وجه النظر لأنس، والرغبة له في الخير، ولو كان يراه واجبًا لألزمه وحكم به عليه، ولم يحلف عليه، وإنما يمينه فعل الوالد ونظره لولده، لا على وجه الإجبار، فعمر رحمه اللَّه للناس جميعًا كالأب الشفيق، ولو كان أنس يعلم أن ذلك واجب (٤) عليه لما امتنع منه، وإنما أُمر بذلك على وجه الندب، ورُدّ إلى


(١) رواه ابن جرير في تفسيره (٩/ ٣١٢ - ٣١٤).
(٢) كذا بالأصل، ولعل الصواب: والإذن من نهي.
(٣) رواه ابن جرير في تفسيره (٩/ ٣١٢).
(٤) في الأصل: واجبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>