للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يشرب وحده، وكانت العرب تعاير ذلك بينهم، ويسمى الرجل إذا أكل وحده المُرضع، فكان أحدهم إذا وضع طعامه ليأكلَ أو حَلَبَ لَقْحَتَه (١) ليشرب نادى من حوله، فإن أجابه أحد، وإلا نصب عودًا بين يديه بدل الرَّجُل فأكل وشرب، قال: فنزل رجل من العرب واديًا وحلب لِقَحَةً له فنادى: هل بالوادي من أحد فليأت، فسمعه رجل فلم يجبه، واختفى له في مكان، فلما علم أنه لم يجبه أحد أخذ عودًا أو خشبة فنصبها، ثم أخذ الإناء ليشرب، خرج إليه فقال: يا مُرضع أتشرب وحدك؟ ! فخشي الآخر إن أفلت منه أن يعير بشربه وحده، فيصير ذلك عليه عارًا، فعدا عليه بالسيف فقتله، فلما جاء الإِسلام نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.

روى الزهري، عن عروة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضُمَنائهم، ويقولون: إن احتجتم فكلوا، فيقولون: إنما أحَلوه لنا عن غير طيب نفْس، فأنزل اللَّه سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا} إلى آخر الآية.

قال بكر: وفي هذه الآية فقه لم أرهم ذكروه، وهو أن اللَّه تبارك وتعالى قال: {بُيُوتِكُمْ}، ولم يذكر الأبناء، وذكر الاباء ومن بعدَه حتى ذكر الصديق، والابنُ أقرب من الأب ومن عداه، وأولى بالمال الذي يملكه ابنه منه، فسائر أملاك الناس ممن ذكر وممن لم يذكر، فعلمنا أن بيوت الأبناء هي بيوت الآباء، فلم يحتج إلى ذكرها ودخلت في معنى بيوتكم، ولذلك قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتَ ومالكَ لأبيك" (٢).


(١) اللّقْحَة: بكسر اللام وبفتحها، الناقة الحلوب غزيرة اللبن، اللسان (١٣/ ٢٢٠).
(٢) رواه الإمام أحمد فىِ مسنده برقم ٦٩٠٢، وابن ماجه في سننه برقم ٢٢٩٢، أبواب التجارات، باب: مال الرجل من مال أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، وابن ماجه في سننه برقم ٢٢٩١، في الموضع السابق، عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>