للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أراد أن المال يستغني به الإنسان فى الدنيا عن الناس، وأن التقوى يستغنى بها (١) في الآخرة عن أن يكون مرحومًا.

قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رجز جرى (٢) على لسانه يوم الخندق:

. . . . . الخيرَ خيرُ الآخرة ... فاغفر للأنصار والمُهاجِرة" (٣)

والأنساب، والمال، والجمال، يُتزيّن به في الدنيا، والتقوى هو الحاصل النافع في أداء الإقامة.

وقد تكلم الشافعي في هذه الآية فقال: فيها خصوص وعموم، واستثنى الدواب من الناس، ولم يستثن عيسى عليه السلام من الذكر والأنثى، فوضع في كتابه ما يحتج به النصارى علينا من أن عيسى مِن ذَكَر (٤)، وقد ذكرنا هذا في رد كتاب الرسالة بما فيه كفاية إن شاء اللَّه.


(١) في الأصل: به.
(٢) في الأصل: رجرى.
(٣) متفق عليه من حديث أنس رضي اللَّه عنه، رواه البخاري في مواطن منها رقم ٧٢٠١، كتاب: الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس، ومسلم برقم ١٨٠٥، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة الأحزاب، وهي الخندق.
(٤) قال الشافعي في الرسالة (ص ١٣٩ - ١٤٠): "قال اللَّه تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقال تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، وقال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، قال: فبين في كتاب اللَّه، أنَّ في هاتين الآيتين العموم والخصوص: فأمَّا العموم منهما، ففي قول اللَّه: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول اللَّه، وقبله وبعده، مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل، والخاص منها في قول اللَّه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، لأن التقوى تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدواب سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وعقل التقوى منهم. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>