للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُكِي لي عن بعض أهل العلم أنه قال: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم، وهو قول فاسد، لأنه يُبطل قولَه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: ٣٢]، فإذا اجتنبوا اللَّمَم فأي شيء يغفر لهم؟

واللَّمَم عند العرب، ألا يكون الإنسان مقيمًا على الشيء، يقال: ما فعل ذلك إلا لَمَمًا، وإلا لَمّا، على الحين بعد الحين، ويقال: مُصِرٌّ، إذا كان الفعل له عادة، فإن تركه ونزع عنه كان تائبًا، قال اللَّه عز وجل: {إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: ١٣٥]، ثم ضمن لهم الثواب فقال: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: ١٣٦]، وقال بعقب اللمم: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة}، فذم المُصِر، ومدح التائب.

قال أبو صالح: سئلت عن قول اللَّه عز وجل: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} فقلت: هو الرجل يُلم بالذنب أو الخطيئة ثم لا يعاود، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: لقد أعانك عليها مَلَك كريم (١).

فجاء هذا التفسير على تعارف العرب، وتلقّاه ابنُ عباس بعرَبيته التي نزل بها القرآن، والعرب تقول: إنما زيارتك لِمام، وإنما تفعل لِمامًا، قال جرير:

بنفسي من تَجَنُّبُه عزيزٌ ... عليَّ ومَن زيارتُه لِمامُ (٢)

وقال وَضّاح اليمن:

فما نَوَّلْتُ حتى تضرعْتُ حولَها ... وخَبَّرْتُها ما رخصَّ اللَّه في اللَّمَمِ (٣)

فاللَّمَمُ عندي واللَّه أعلم، التي تكون فيندَم عليها ولا يُعاوِدها المُذنِب، وهو أصحُّ الوجوه في ذلك.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٦٥٧) لعبد بن حميد.
(٢) ديوان جرير بشرح ابن حبيب (٢/ ٢٧٩).
(٣) عيون الأخبار لابن قتيبة (٤/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>