وصفه، ووصف الخالق غير مخلوق؛ لأن الوصف تابع للذات، فكما أن الذات غير مخلوقة فكذلك الوصف، ثم لا يمنع أن يكون المراد بقوله:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد: ١٦] أن يكون المرادُ بهذا العمومِ الخصوصَ، أي: خالق كل شيء من المخلوقات، والعموم قد يراد به الخصوص كما في قول الله تعالى عن ريح عاد:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف: ٢٥]، ومعلوم أنها لم تدمر السماء ولا الأرض بل ولا المساكن، كما قال - عزّ وجل -: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف: ٢٥].
الفائدة الثانية: أن شهادةَ اللهِ أكبرُ شهادةٍ، ونعم واللهِ إن شهادة الله أكبر شهادة؛ لأنها مبنية على علم ويقين وعدل، والخلل في الشهادة أن تكون مبنية على ظن أو على جهل أو على جور؛ لأن الشاهد إما أن يبني شهادته على أشياء ظنية، أو يشهد عن جهل تام، أو يشهد على جور، كل هذا يخل بالشهادة، وشهادة الله - عزّ وجل - منزهة عن هذا، صادرة عن علم يقيني، وعن عدل لا يمكن أن يجور في الشهادة - جل وعلا -.
ومما يدل لذلك القرآن، قال الله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)} [النساء: ١٦٦] يكفي شهادة الله، وقال الله - عزّ وجل -: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤)} [الحاقة: ٤٤]. انظر قوله:{بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ}{بَعْضَ} هذه مضافة لأقاويل، يعني: قولًا من أقاويل كثيرة، فمثلًا لو أوحينا إليه ألفَ قولٍ فَتَقَوَّلَ قولًا واحدًا {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)} [الحاقة: ٤٥، ٤٦]، وهل قُطِعَ من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوتين؟