للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقال: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}، أي: تزعمون أنهم آلهة، والإله ينفع من تألهه، فأين هو الجواب؟ بيّنه الله - عزّ وجل - فقال: {ثُمَّ}، أي: بعد هذا السؤال: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} الفتنة هنا بمعنى: الحجة {فِتْنَتُهُمْ}، أي: حجتهم {إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} أقسموا بالله أنهم لم يكونوا مشركين، وهل هم صادقون في هذا القسم؟

الجواب: لا، ولهذا قال: {انْظُرْ} أيها المخاطب {كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، والمراد هنا نظر الاعتبار.

وهنا إشكال: كيف يقول: {كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، والأمر لم يأت بعد، فإن هذا يكون يوم القيامة؟

والجواب: أن هذا على حكاية الحال، والله - عزّ وجل - دائمًا يحكي الأشياء المستقبلة حتى يتصورها الإنسان وكأنها واقعة، وإنما يكون ذلك؛ لأن الشيء المستقبل المحقق يكون؛ كالواقع تمامًا، ولهذا قال الله - عزّ وجل -: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١] مع أنه ما أتى، بدليل قوله: {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، فيكون التعبير بالماضي على حكاية الحال حتى يتصور الإنسان وكأن الشيء بين يديه، {كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} في قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.

قوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (ضَلَّ)، بمعنى: ضاع فلم يجدوه؛ كالرجل الذي ضاع له المال فلم يجده، هؤلاء ضاعت عنهم الآلهة فلم يجدوها.

وقوله: {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، أي: ما كانوا يفترونه من دعواهم

<<  <   >  >>