للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(إن الرؤية ما أعد - الله لهم من الجنة والثواب وليس برؤية الله)، لا تستطيع، أئمة الهدى من بعدهم تبعوهم، فالآية التي معنا وهي قوله: {كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} استدل بها بعض العلماء على ثبوت رؤية الله - سبحانه وتعالى - محتجًا بأن الملاقاة لا بد أن تكون مواجهة، فإن صح هذا الاستدلال وإلا فنحن في غنى عنه، وإذا لم يصح هذا الاستدلال فالمراد بلقاء الله البعث بعد الموت؛ لأن الكافر لن يرى الله سبحانه وتعالى كما قال - عزّ وجل -: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥].

ولو قال قائل: الذي يقول إن الله يُرى لكن لا من جهة هل يعتبر أثبت الرؤية؟

فالجواب: لا يمكن أن يرى الشيء بدون جهة أبدًا، وهذا من غريب قولهم، والظاهر لي - بناءً على ما نعرف من ذكائهم - أنهم يريدون من قولهم: أنه لا يُرى من جهة، يريدون أنه يُرى ولكن لا تثبت الجهة، وبينهما فرق، فنحن إذا قلنا: (لا يرى من جهة) معناه: الإنكار، وإذا قلنا: (إنه يرى لا من جهة)، أي: لا تثبت الجهة؛ فليس كالأول، والذي يجب أن نقول: إن الله تعالى في جهة بلا شك، وهي جهة العلو، أليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء (١) لكن جهة تحيط به - عزّ وجل -، أو جهة لا تليق به؛ كجهة السفل هذا ممنوع، وهؤلاء المتكلمون أوتوا ذكاء لكن يجب أن نعرف الفرق بين الذكاء والعقل، فالذكاء سرعة إدراك الشيء، لكن العقل حسن


(١) رواه مسلم، كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (٥٣٧).

<<  <   >  >>