الفائدة السابعة عشرة: ذم من لم يتفكر؛ لأن الاستفهام هنا للتوبيخ، والمراد هو التفكر في الأمور على حسب الواقع، لا يتخيل أشياء لا تَمُتُّ للواقع بصلة، ولا يتفكر في أشياء لا يمكنه الوصول إليها، فلو أراد أحد أن يتفكر في ذات الله - عزّ وجل - فإنه لا يجوز، هذا ممنوع؛ لأنه لا يمكن الوصول إليه، ولو أراد أن يتفكر في كيفية النزول إلى السماء الدنيا فلا يجوز؛ لأن ذلك لا يمكن الوصول إليه، والله - عزّ وجل - قال:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}[الأنعام: ١٠٣]، فإذا كان البصر الذي يدرك الأشياء إدراكاً حسياً لا يمكن أن يدرك الله - عزّ وجل - فالفكر من باب أولى.
ومما يطلب أن نتفكر فيه من الأمور الواقعة آيات الله - عزّ وجل - الكونية والشرعية:
فالآيات الكونية: هي المخلوقات، وما أبدع الله فيها من الحكم والأسرار العظيمة.
والآيات الشرعية: هي الأحكام الشرعية التي شرعها الله للعباد، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، يعني: إذا طبقت الشريعة فهي صالحة لكل زمان ومكان.
وهنا نشير إلى من توسَّل بهذه العبارة إلى تكييف الشريعة حسب الواقع؛ فنقول: إنَّ هذا غلط عظيم، والواجب تكييف الواقع حسب الشريعة، وإذا كُيِّفَ الواقع حسب الشريعة صلحت الأمور، أما أن نكيف الشريعة حسب الواقع ويكون لنا في كل زمان شريعة، أو في كل مكان شريعة، أو في كل أمة شريعة، فهذا يعني: أن الشريعة تبدل وتعدل وتدخلها الأهواء، وهذا شيء