الفائدة التاسعة: حسن المحاجة في القرآن الكريم وهو أنه لو جاء الأمر على اقتراح هؤلاء لم يكن على ما اقترحوه، أي: لم يكن ملكاً لعدم المناسبة بين الرسول والمرسل إليهم، فإذا كان رجلاً عاد اللبس والاقتراح الذي اقترحوه، لقوله:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}.
قوله:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}(اللام) هنا موطئة للقسم ومؤكدة له، و (قد) للتحقيق وهذا يرد في القرآن كثيراً، وعلى هذا فالجملة تكون مؤكدة بثلاثة مؤكدات: قسم مقدر، والثاني (اللام)، والثالث (قد).
وقوله:{اسْتُهْزِئَ}، أي: سُخِر، بدليل قوله:{فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ}، أي: سخروا به، وقالوا:{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ}[الأنبياء: ٣٦] وقال تعالى أيضاً {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨)} [هود: ٣٨].
وقوله:{بِرُسُلٍ} نكرة في سياق الإثبات لا تدل على العموم، أي: لا تدل على أن جميع الرسل سُخِر بهم، واعلم أن النكرة في سياق الإثبات لا تدل على العموم إلا إذا قام الدليل على هذا العموم، مثل قول الله - تبارك وتعالى -: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)} [الانفطار: ٥] وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)} [التكوير: ١٤] فهنا (نفس) نكرة في سياق الإثبات، لكنها للعموم إذ معنى الآية:(علمت كل نفس).