كان الناس يقرؤون في المصاحف التي في عهد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لتمزقت الأمة تمزقاً عظيماً، ولقالت النصارى: إذا كان عندنا أربعة أناجيل، أو خمسة فعندكم عشرات، فلهذا كان توحيد المصحف مقصوداً لغيره وهو جمع كلمة المسلمين وعدم تنازعهم.
كذلك أيضاً تبويب الأحاديث، أو جمعها على المسانيد هو أيضاً مقصود لغيره حتى يتيسر على المسلمين أصول السّنَّة، أرأيت لو أنها لم تبوب على الأبواب ولا على المسانيد لكان الإنسان إذا أراد مسألة أن يقرأ كل حديث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخفى ما في هذا من التعب العظيم ومن تعطل الشريعة، فكان هذا مقصوداً لغيره.
ولو قال قائل: محاريب المساجد هذه بدعة لا بد أن نهدمها، ولو أن الإنسان أوصى أن يبنى له مسجد فيه محراب بطلت الوصية؛ لأن المحاريب نهى عنها الرسول - عليه الصلاة والسلام - في قوله محذراً:"إياكم ومذابح النصارى"(١)، أو كلمة نحوها فما الجواب؟
فالجواب فيما يلي:
أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قيد فقال:"كمذابح النصارى"، فإذا كان المحراب على غير الشكل النصراني فلا بأس به، هذا إن صح الحديث مع أن الحديث فيه مقال.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٥٩)، ونحوه عند عبد الرزاق في المصنف (٢/ ٤١٣)، والبيهقي (٢/ ٤٣٩)، وانظر: السلسلة الضعيفة (٤٤٨).