فإن قيل: وهل هذه المشيئة مشيئة مجردة بدون حكمة، أو أنها مشيئة مقرونة بالحكمة؟
فالجواب: أنها مشيئة مقرونة بحكمة، وهذا هو المتعين؛ لأن جميع أفعال الله - تبارك وتعالى -، وأحكامه كلها مقرونة بالحكمة، انظر في أحكام الله، قال الله - تعالى - في آية المواريث {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: ١١]، وقال تعالى في الأمور القدرية {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)} [الإنسان: ٣٠]، فلا مشيئة مجردة في أفعال الله وأحكامه، بل هي مقرونة بالحكمة.
فإن قيل: وهل هذه الحكمة معلومة للخلق؟
فالجواب: قد تكون معلومة، وهذا - والحمد لله - هو الأكثر، وقد تكون مجهولة لبعض الناس دون بعض، وقد تكون مجهولة لجميع الناس؛ لأنهم لا يحيطون بالله علماً.
الفائدة الرابعة: أن الصراط وهو دين الإسلام مستقيم، لا اعوجاج فيه، ولا انحراف فيه، ولا شقاء فيه، ويضاف إلى ذلك أنه لا تناقض فيه؛ لأنه لو كان فيه تناقض لم يكن مستقيماً.
فإن قال قائل: هل للإنسان حجة على الله إذا أضله وهدى آخرين؟
فالجواب: لا؛ لأن الهداية فضل من الله - عزّ وجل -، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والإضلال لا بد أن يكون مبنياً على حال العبد؛ لقول الله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم}[الصف: ٥]، ولقوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٩] فالحاصل