أما الحمد فلا بد أن يُقيَّد بأنه على وجه المحبة والتعظيم، فإن لم يكن على وجه المحبة والتعظيم فهو مدح.
وانظر إلى عمق اللغة العربية كيف فَرَّقَتْ بين (حَمِدَ، ومَدَحَ) مع تساويهما في الحروف نوعًا وعددًا، الحروف ثلاثة، هذا العدد، والنوع نفس الحروف (حاء، ميم، دال)، لكن اختلف الترتيب في الحروف "حَمِدَ""ومَدَحَ"، ولاختلافهما في الترتيب اختلف معناهما، والنسبة بينهما الخصوص والعموم فكلُّ حمدٍ مدحٌ، وليسَ كلُّ مدحٍ حمدًا؛ لأن الحمد - كما تقدم - لا بد أن يكون على وجه المحبة، والتعظيم، والمدحُ بخلاف ذلك.
وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - الفروق بينهما في كتابه "بدائع الفوائد"، وهذا الكتاب حَثَّنَا عليه شيخُنا عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - حين الطلب، وقال: إنه كتاب عظيم. وهو كذلك؛ يشبهه من بعض الوجوه كتابَ "صيدِ الخاطر" لابن الجوزي، لكن من حيث العمق والمعنى والفائدة لا سواء، ولا مقارنة، فهو - رحمه الله - بيَّن بيانًا واضحًا الفروق بين الحمد والمدح، وبحث هذا المبحث حتى أنضجه طبخًا، وقال: إن شيخنا - يعني: ابن تيمية - رحمه الله - كان إذا بحث في مثل هذه الأمور أتي بالعجب العجاب (١) ولكنه كما قيل:
لأن شيخ الإسلام ليس عنده التفرغ لكي يتكلم في مثل هذه الأمور، فهو يتكلم بما هو أعظم. وقد جمع أحدُ الطلاب - وهو أخونا: فريد بن عبد العزيز الزامل - المباحثَ النحويةَ التي تكلم
(١) بدائع الفوائد (١/ ١١٦)، طبعة مكتبة نزار مصطفى الباز.