فالجواب: أن الله ألزم نفسه به، وله أن يفعل ما شاء، نحن لا نلزم الله بشيء وليس لنا على الله حق إلا ما أوجبه على نفسه، لكن الله له أن يلزم نفسه بشيء، فكتابة الله على نفسه الرحمة لا تنافي كماله، بل هي من كماله - عزّ وجل -.
قال ابن القيم - رحمه الله - في النونية:
ما للعبادِ عليهِ حَقٌّ واجبُ ... هو أوجَبَ الأجرَ العظيمَ الشانِ
إنْ عُذِّبوا فبعدلِه أو نُعْمِّوا ... فبفضلهِ والفَضْلُ للمَنَّانِ
قوله:"هو أوجب": أي: هو سبحانه أوجب على نفسه، وليس نحن.
قوله:"فبعدله"؛ لأن الذنب ذنبهم.
الفائدة السادسة: أن الله يعبر عن نفسه بالنفس لقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، ولها نظائر قال الله - عزّ وجل -: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٢٨] وقال عيسى - عليه الصلاة والسلام - {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦]، وليست نفس الله كنفس الإنسان؛ فالإنسان له نفس، قال الله - عزّ وجل -: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[الزمر: ٤٢]، وقال:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥]، وهنا {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}، يعني: الروح التي في البدن وليست الجسم؛ لأنه عند موت الجسم لا يقبض الجسم في الأرض، بل يتولاه أهل الأرض، بل الذي يُقبض هو الروح، فالإنسان له نفس وهي الروح، ويعبر عن ذاته بالنفس فيقول: كلمتك بنفسي، وتقول: جاء الرجل نفسه، أما الله - عزّ وجل - فليس له نفس مستقلة عن الذات بل نفسه هي ذاته - عزّ وجل -.