ثم أكدوا هذه الجملة بقولهم:{وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}، وهذا إنكار صريح للبعث، مع أن البعث قد دل عليه الكتاب والسُّنَّة والعقل والإجماع، وسيأتي في الفوائد - إن شاء الله تعالى -.
وقوله:{حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} هل هي من الدنو رتبة ومنزلة، أو من الدنو وقتًا وزمنًا، أو منهما جميعًا؟
الجواب: هي منهما جميعًا، فهي بالنسبة للآخرة قبل الآخرة فتكون دنيا، وهي بالنسبة للمرتبة أيضًا دنيا، أي: دون الآخرة، كما قال الله - عز وجل -: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)} [الأعلى: ١٧]، ولهذا لا تجد في الدنيا سرورًا دائمًا أبدًا، يعني سرورًا للبدن وسرورًا للقلب، أي: نعيمًا للبدن والقلب لا يمكن دائمًا، فإما نعيم في البدن، وهو الرفاهية التي يدعو إليها الناس؛ فكثير من الناس الآن يدعون إلى الرفاهية، وأهم شيء عندهم الترفيه والرفاهية وهو نعيم البدن، لكنه يُوَلّدُ في القلب حسرة عظيمة وضيق صدر، وإما نعيم في القلب، وهذا للمؤمنين كما قال - عزّ وجل:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل: ٩٧]، ولكن مع ذلك لا بد للإنسان من وجود ما يُسَرُّ به وما يُساء به، فلا يمكن أن تجد في الدنيا شيئًا كاملًا من كل وجه، ولهذا انطبق الوصف تمامًا عليها، نسأل الله أن يرزقنا الزهادة فيها والرغبة في الآخرة.
قوله:{وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}، أي: بمخرجين من القبور، وليس عندهم دليل على هذا الإنكار إلا مجرد الأهواء والمكابرة، وإلا فما المانع، وقد أقام الله الدلائل العقلية والحسية والشرعية على وجوب البعث، أو على إمكانه، وأنه ليس بممتنع، لكن هم