للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى قسمين: ظلم في حق الله، وظلم في حق العباد، أما الظلم في حق الله: فدواؤه التوبة، مهما عظم حتى لو كان شركاً بالله تعالى، بل حتى لو كان سباً لله على القول الراجح فإنه يزول بالتوبة، وأما حق الآدمي فلا يزول إلا برده إليه، أو استحلاله منه، وإلا مهما تاب الإنسان وأخلص لله وندم، فإنه لا يكفيه حتى يرد الحقوق إلى أهلها، بل إن رد المظالم إلى أهلها من شروط التوبة، والتي من شروطها أيضاً أن يقلع الإنسان عن الذنب، ولا إقلاع عن الذنب مع استمرار أخذ مال الغير.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفائدة الأولى: التحذير من نزول العذاب إما بغتة وإما جهرة، فلا يأمن الإنسان إذا كان عاصياً أن ينزل به العذاب، لكن أيظن أن العذاب هو عقوبة الجسد فقط، فرغم أن عقوبة الجسد عذاب في حدِّ ذاتها إلا أنه هناك ما هو أكبر منها، وهو الإعراض عن دين الله - عزّ وجل - كما قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩].

ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: "إن المعاصي بريد الكفر" (١)، ينزلها الإنسان مرحلة مرحلة، كما ينزل البريد المسافة مرحلة مرحلة حتى يصل إلى الكفر - والعياذ بالله -، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المعاصي تقسي القلب، وتسود القلب، وتيبس القلب، حتى يصبح ميتاً وتحل الكارثة، ولكن الحمد لله - جعل الله لكل داء دواء، فالمعصية اتبعها بالتوبة، فإذا تبت فالتوبة تهدم ما


(١) قاله أبو حفص النيسابوري، ذكره البيهقي في شعب الإيمان (٩/ ٣٨٤)، رقم (٦٨٣١)، والأصبهاني في حلية الأولياء (١/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>