لأنهم لم يقترحوا آية معينة، ولو اقترحوا آية معينة، ثم جاءت ولم يؤمنوا لهلكوا، هكذا قرر أهل العلم - رحمهم الله -.
وقوله:{آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}، أي: علامة تدل على صدقه وصحة رسالته، وهنا نريد أن نبيِّن أن بعض العلماء، وما أكثرهم يعبرون عن آيات الرسل بالمعجزات، وهذا نقص عظيم؛ لأننا لو سميناها بالمعجزات لورد علينا ما يفعله السحرة، فإن السحرة يفعلون ما يُعْجِزُ البشر، لكن تسميتها آية تحدد المعنى، وهو العلامة الدالة على صدقه وصحة رسالته، ولذلك لا تجد في القرآن أن الله عبر عن آيات الرسل بالمعجزات أبدًا، إنما يعبر عنها بالآيات.
وقوله:{مِنْ رَبِّهِ} يعنون بذلك الله - عزّ وجل -، وفي هذا التعبير تكبرٌ وتعالٍ، حيث قالوا:{مِنْ رَبِّهِ}، ولم يقولوا: من الله ولا من ربنا كأنهم في شق، والرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الله في شق آخر.
قوله:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}، أي: ليس بعاجز على أن ينزل آية، بل هو قادر، ولما طلب الحواريون من عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء، هل قدر الله عليها؟ نعم قدر الله عليها - على قول من يقول إنها نزلت - وكذلك آيات الرسل الحسية والمعنوية كلها من عند الله، فهو قادر على أن ينزل آية، ولكنه لا يريد أن يأتي بما يطلبه هؤلاء؛ لأنه لو جاءت الآيات حسب الاقتراح لكان كل واحد يقترح ما يرى أنه آية، وقد يقترح ما يرى أنه آية وليس بآية، لذلك نقول: الآيات عند الله - عزّ وجل - ولهذا قال:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}، ولكنَّه لا يريد، وإذا لم يرد لم يكن.