للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفائدة الثامنة: حكمة الله - عزّ وجل - في جعل الناس صنفين: مؤمنين وكافرين، وهذا أمر لا بد منه؛ لأنه لولا الكفر لم يعرف فضل الإيمان، ولولا الإيمانُ لم يعرف قبح الكفر، كما أنه لولا الحلو ما عرف المر، وهذا واضح، فإن لم يكن هناك أشياء متضادة ما عرف فضل الأشياء المحمودة، ثم إنه لولا اختلاف الناس في الإيمان والكفر ما قامت راية الجهاد؛ لأنهم كلهم إما مؤمنون وإما كافرون، فمن يُجَاهِدُ؟ فلولا هذا الاختلاف ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناس سيكونون كلهم إما على منكر وإما على معروف، لولا هذا الاختلاف ما قامت الدعوة إلى الله - عزّ وجل -؛ لأنهم إن كانوا مؤمنين كلهم لم يحتاجوا إلى دعوة، وإن كانوا كافرين ما دعوا، إذاً فمن الحكمة أن الله جعل الخلق صنفين.

لكن قد يقول قائل: إذا كان أحد الناس من الصنف الآخر الكافر أفلا يكون في هذا ظلم له؟ وهذا قد يرد على النفس، ما دمنا نقول: إن الكفر بمشيئة الله، وأن الله - عزّ وجل - بحكمته قَسَّمَ الناس إلى قسمين، أفلا يقول الكافر إن في هذا ظلمًا لي؟

فالجواب: لا، كما قال بعض أهل السُّنَّة وهو يجادل معتزليًا حين قال له: أرأيت إن منعني الهدى، وقضى عليَّ الردى أحسن إليَّ أم أساء؟ فقال له السني: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو فضله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (١).


(١) جرى ذلك في مناظرة بين أبي إسحاق الإسفراييني، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، وذكرها تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية (٤/ ٢٦١ - ٢٦٢)، والتفتازاني مختصرًا في شرح المقاصد (٤/ ٢٧٥)، والطبري في تاريخه (٨/ ١٢٥).

<<  <   >  >>