لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١)} [النساء: ١٥٠، ١٥١]، وقال تعالى منكرًا على بني إسرائيل:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}[البقرة: ٨٥]، وبَيَّن الله - عزّ وجل - أن من كفر برسول واحد فهو كافر بالجميع، فقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)} [الشعراء: ١٠٥] مع أن قوم نوح هم أول من أرسل إليهم رسول فليُنتبه لهذا، فلا يمكن لإنسان أن يُجزِّئ الشريعة فيؤمن ببعضها ويكفر ببعضها؛ لأننا نعلم أن مثل هذا متبع لهواه فقط.
الفائدة السادسة: نفي الفلاح عن الظالم، أي: لا يمكن أن يحصل له مقصوده، بل بالعكس.
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية الكريمة وبين نصوص أخرى يرد فيها مثل هذه العبارة في ذنب آخر غير هذا، وتدل أيضًا على أن هذا الفعل أظلم شيء.
مثل قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[البقرة: ١١٤]، وقوله في هذه الآية:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي:"ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"(١) في المصورين فكيف نجمع بين هذه النصوص؟
فالجواب من أحد وجهين: إما أن نقول: اشتركت هذه الأشياء في المرتبة العليا من الظلم فكلها في مقام الأظلمية، وإما أن يقال: إن الأظلمية أظلمية نسبية، فمثلًا في هذه الآية {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، المعنى: أن الذين يفترون على الله الكذب أظلم من الذين يفترون على غيرهم الكذب، فلو افترى
(١) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب: نقض الصور (٥٩٥٣).