الفائدة الثامنة: تأكيد المعلوم بالمحسوس، وإن شئت فقل: تأكيد المعقول بالمحسوس، لقوله:{فِي قِرْطَاسٍ} وقوله: {فَلَمَسُوهُ}؛ لأن هذا تأكيد بشيء محسوس ينظر إليه أنه في قرطاس ويُلْمَسُ باليد.
الفائدة التاسعة: أن للسحر تأثيرًا، وهل التأثير يكون بقلب الحقائق أو بالتخييل على الحواس؟
الجواب: الثاني، وإلا فإنه لا يقلب الحقائق، فالعصي والحبال التي ألقاها سحرة فرعون لم تنقلب حيات، ولكن خيل للرائين أنها حيات، وإلا فهي على حقيقتها عصي وحبال.
وبهذا نجمع بين قول من قال: إنه لا يؤثر، وقول من قال: إنه يؤثر، فيقال: أما تأثيره بقلب الحقائق فهذا لا يمكن؛ لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله - عزّ وجل -، وأما تأثيره بالتخييل فإنه يمكن؛ لأن التخييل في الواقع مرض في الإدراك، والمرض قد ينتج من السحر؛ لأن السحرة أحيانًا يسحرون الإنسان حتى يكون مريضًا، أو يختل ذهنه، أو ما أشبه ذلك.
لو قال قائل: ما حكم مَنْ يدعي أنه يستطيع أن يخبر بمكان السحر؟
قلنا: هذا يسمى نقض السحر بالسحر، وقد نقل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب "التوحيد" عن سعيد بن المسيب - رحمه الله - أنه قال:"لا بأس به، وقال: إنما يريدون به الإصلاح، وأما ما ينفع فلم ينهَ عنه"، ولعله أخذه من قوله تعالى:{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}[البقرة: ١٠٢]، ومن قوله {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: ١٠٢].