الفائدة الثانية عشرة: أن ما افتروه من الشريك لله - عزّ وجل - سوف يضل عنهم مع شدة طلبهم له، كما تضل الضالة عن صاحبها لقوله:{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
فإن قال قائل: كيف نجمع بين قولهم في هذه الآية الكريمة: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، وبين قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)} [النساء: ٤٢]، فصرح الله في هذه الآية أنهم لا يكتمون الله حديثًا، وهنا كتموا وقالوا:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}؟
فالجواب أولًا: يجب أن نعلم ونؤمن ونتيقن أنه لا تناقض في القرآن أبدًا فلا يمكن أن يتناقض، بل التناقض في قصور فهم الإنسان، وقد ألف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة العظيمة مؤلفات، ومنها: تأليف الشيخ محمد الشنقيطي - رحمه الله - المفسر الأصولي المشهور "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"، فإن رأيت متناقضًا فالخلل من عندك، إما لقصور في الفهم، أو تقصير في الطلب، أو سوء نية تريد أن تبحث عن الأشياء التي ظاهرها التعارض لتطعن في القرآن، أو قصور في العلم وإلَّا فلا تناقض، وهنا نقول: يوم القيامة خمسون ألف سنة وللناس فيه أحوال، ففي حال ينكرون أنهم مشركون، وفي حال يقرّون إذا رأوا أن أهل التوحيد نجوا، قالوا:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، فإذا ختم على أفواههم وشهدت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، حينئذٍ أقروا؛ لأنه لا يمكن أن ينكروا مع وجود الشهود من أنفسهم.