للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض ظلمًا طَوَّقَهُ الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين" (١)، فصار المراد بالأرض الجنس، فلا ينافي التعدد.

قوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (جعل)، بمعنى: خلق؛ ولكن إذا كانت بمعنى خلق فما هي الحكمة بأن عُبِّر عن الخلق بالجعل، قيل: إن الحكمة هي التفنن في العبارة، يعني: تغيير اللفظ مع اتحاد المعنى، وأحيانًا يكون هذا من البلاغة، وقيل: إن الحكمة من ذلك أن النور لا يمكن أن يقوم إلا بغيره مثل نور الشمس فهو لا يمكن أن يتبين إلا إذا كان هناك جسم قابل له، ولذلك ما بيننا وبين الشمس ظلمة ليس هناك نور؛ لأن النور لا يمكن أن يظهر أثره إلا أن يكون مُقَابَلًا بجسم، ونجد الآن الفرق بين أن تقابل الشمس جسمًا قابلًا للحرارة وجسمًا غير قابل، أو تقابل جسمًا قابلًا لنصاعة البياض وجسمًا غير قابل؛ لأن النور لا يمكن أن يكون قائمًا بنفسه، ولا يتبين إلا إذا كان منعكسًا على جسم، فهذه هي الحكمة من قوله: {وَجَعَلَ}.

وحكمة أخرى أن الظلمات والنور تكون حسية ومعنوية فظلمة الليل حسية، وظلمة الجهل معنوية، كذلك النور، فنور النهار حسي، ونور العلم والإيمان معنوي، ومن نور العلم والإيمان استنارة القلب بكلام الله - عزّ وجل -، وكلام الله تعالى غير مخلوق، مع أن القرآن يسمى نورًا كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤)} [النساء: ١٧٤]، فلذلك عبر الله - عزّ وجل - بالجعل؛ لأنه يتعلق بالمخلوق وغير المخلوق.


(١) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (١٦١٠).

<<  <   >  >>