بني غُدَانَةَ ما إنْ أنتمُ ذَهبٌ ... لا صريفٌ، ولكن أنتم الخزفُ (١)
والتقدير (ما أنتمُ ذهبٌ) لكنها جاءت زائدة، وهذا ليس بغريب، وهو مما يدل على أن اللغة العربية واسعة، خلافًا لمن قال: إنها ضيقة؛ لأن معانيها أكثر من ألفاظها، نقول كون الحرف الواحد أو الكلمة الواحدة تأتي بمعانٍ متعددة هذا يدل على مرونة اللغة العربية، لا على قلة مواردها، ولا شك أنه إذا كانت اللغة مرنة كان ذلك أوسع للمتخاطبين بها وأيسر عليهم.
وقوله:{إِنْ هَذَا} المشار إليه الكتاب في القرطاس.
وقوله:{إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}(السحر): كل شيء خفيِّ يسمى سِحْرًا، مأخوذٌ من السَحَر الذي هو آخر الليل، والغالب أن آخر الليل يكون خفيًا، الناس لا يخرجون من بيوتهم، فيكون هناك خفاء في الأمور التي تحدث، لكنه في الاصطلاح: هو عبارة عن عُقد ورقي وأدوية تصدر من الساحر بواسطة الشياطين، كما قال الله - تبارك وتعالى - في سورة البقرة:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ}[البقرة: ١٠٢]، يعني: ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببابل {هَارُوتَ وَمَارُوتَ}، هذان اسمان لملكين {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}[البقرة: ١٠٢]، ولذلك كثيرًا ما يكون السحر مرتبطًا بالجن، حتى إن الجني يتكلم ويقول: إني لا أستطيع أن أخرج لأني مسحور، لكن إذا أراد الله - عزّ وجل - عُثِرَ على السحر وَأُتْلِفَ، ثم برئ المريض.
(١) البيت غير معروفٍ قائلهُ، وهو في شواهد شرح الكافية الشافية (١/ ٤٣١)، وخزانة الأدب (٤/ ١١٩)، ومغني اللبيب (ص ٣٨).