للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا قال قائل: ما وجه كون العابد داعياً؟

فالجواب: للدليل الأثري والنظري، أما الأثري فقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠] فجعل الله الدعاء عبادة، وأما كون العبادة دعاء فلأن العابد لو سئل لماذا تعبد الله؟ لقال: أرجو ثوابه وأخاف عقابه، إذاً فهو دعاء بلسان الحال لا بلسان المقال، على أن كثيراً من العبادات لا يخلو من دعاء صريح.

وقوله: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (الباء) هنا بمعنى: (في)، وتأتي (الباء) بمعنى: (في) كثيراً كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: ١٣٧، ١٣٨]، يعني: (في) الليل فهل هناك من حكمة في أن تأتي (الباء) بمعنى (في)؟

الجواب: اعلم أن القرآن الكريم لا يمكن أن يَعْدل عن الشيء المتعارف لغة إلا لسبب، والسبب هنا أن الباء التي للظرفية أشربت معنى الاستيعاب؛ لأن الباء تأتي للاستيعاب كما في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦]، وكما في قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] فـ (الباء) للاستيعاب، أي: أنهم قد استوعبوا الغداة والعشي بالدعاء، والغداة أول النهار، والعشي آخر النهار.

وقوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} حال من الفاعل في {يَدْعُونَ} المعنى أنهم مخلصون لله، لا يريدون بذلك رياء ولا سمعة.

قوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، يعني: أن حسابك ليس عليهم وحسابهم ليس عليك، وإذا كان كذلك فلماذا تطردهم؟ دعهم يحضرون مجالس ينتفعون

<<  <   >  >>